فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ}: أي: إبليسَ وذريتَه، أو ما أشهدْتُ الملائكةَ فكيف تعبدونهم؟ أو ما أشهدْتُ الكفارَ فكيف تَنْسُبون إليَّ ما لا يليق بجلالي؟ أو ما أشهدْتُ جميعَ الخَلْقِ.
وقرأ أبو جعفر وشيبةُ والسختياني في آخرين: {أشهَدْناهم} على التعظيم.
قوله: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين} وُضع الظاهرُ موضعَ المضمر؛ إذ المراد بالمُضِلِّين مَنْ نفى عنهم إشهادَ خَلْقِ السماواتِ، وإنما نبَّه بذلك على وَصْفِهم القبيحِ.
وقرأ العامَّةُ {كُنْتُ} بضمِّ التاء إخبارًا عنه تعالى. وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر بفتحها خطابًا لنبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه {مُتَّخِذَ المضلين} نوَّن اسمَ الفاعلِ ونَصَبَ به، إذ المرادُ به الحالُ أو الاستقبالُ.
وقرأ عيسى {عَضْدًا} بفتح العين وسكون الضاد، وهو تخفيفٌ شائعٌ كقولِ تميم: سَبْع ورَجْل في: سَبْع ورَجْل. وقرأ الحسن: {عُضْدًا} بالضم والسكون: وذلك أنه نَقَل حركةَ الضادِ إلى العينِ بعد سَلْبِ العينِ حركتَها. وعنه أيضًا {عَضَدًا} بفتحتين و{عُضُدًا} بضمتين. والضحاك {عِضَدًا} بكسر العين وفتحِ الضاد. وهذه لغاتٌ في هذا الحرفِ.
والعَضُدُ من الإِنسانِ وغيرِه معروفٌ. ويُعَبَّر به عن العونِ والنصير فيقال: فلان عَضُدي. ومنه {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35] أي: سنُقَوِّي نُصْرَتَك ومعونَتك.
قوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ}: معمولٌ لـ: اذكر أي: ويوم نقولُ يجري كيت وكيت. وقرأ حمزة {نقولُ} بنون العظمة مراعاةً للتكلم في قوله: {ما أَشْهَدْتُهم} إلى أخره. والباقون بياءِ الغَيْبَةِ لتقدُّمِ اسمِ الشريفِ الظاهر.
قوله: {مَوْبِقًا} مفعولٌ أولُ للجَعْلِ، والثاني الظرفُ المُقَدَّم. ويجوز أن تكونَ متعدِّيةً لواحدٍ، فيتعلَّق الظرفُ بالجَعْلِ أو بمحذوفٍ على الحال مِنْ {مَوْبَقا}.
والمَوْبِقُ: المَهْلَكُ، يقال: وَبِقَ يَوْبِق وَبَقًا، أي: هَلَكَ ووَبَقَ يَبِقُ وُبُوقًا أيضًا: هَلَكَ وأَوْبَقه ذنبُه.
وعن الفراء: جَعَلَ اللهُ تواصُلَهم هَلاكًا فجعل البَيْنَ بمعنى الوَصْلِ، وليس بظرفٍ كقولِه: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] في وجهٍ. وعلى هذا فيكون {بينَهم} مفعولًا أولَ و{مَوْبِقًا} مفعولًا ثانيًا. والمَوْبِقُ هنا: يجوز أَنْ يكونَ مصدرًا وهو الظاهر. ويجوزُ أَنْ يكونَ مكانًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا}.
أكذب المنجمين والأطباء الذين يتكلمون في الهيئات والطبائع بقوله: {مَّا أَشَهَدتُّهُمْ خَلْقْ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ}: وبّيَّنَ أن ما يقولونه من إِيجاب الطبائع لهذه الكائنات لا أصلَ له في التحقيق.
{وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا}: أي لم أجعل للذين يُضِلُّون الناسَ عن دينهم بِشُبَهِهِمْ في القول بالطبائع حجةً، ولم أعطهم لتصحيح ما يقولونه برهانًا.
ويقال إذا تقاصرت علومُ الخَلق عن العلم بأنفسهم فكيف تحيط علومُهم بحقائق الصمدية، واستحقاقِه لنعوته إلا بمقدار ما يخصُّهم به من التعريف على ما يليق برتبة كل أحد بما جعله له أهلًا؟
ويقال أخبر أَنَّ علومَهم تتقاصر عن الإحاطة بجميع أوصافهم وجميع أحوالهم وعن كُلِّ ما في الكون، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك؛ ولا حاجةَ بهم إلى الوقوفَ على ما قَصَرَتْ علومهُم عنه، إذ لا يتعلَّق بذلك شيء من الأمور الدينية. فالإشارة في هذا أن يَصْرِفُوا عنايتَهم إلى طلب العلم بالله وبصفاته وبأحكامه، فإنه لابد لهم- بحكم الديانة- من التحقق بها؛ إذ الواجبُ علىلعابد معرفة معبوده بما يزيل التردد عن قلبه في تفاصيل مسائل الصفات والأحكام.
{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}.
عِلمَ الحقُّ- سبحانه- أَنَّ الأصنامَ لا تغني ولا تنفع ولا تضر، ولكن يعرِّفهم في العاقبة بما يُصَيِّر معارفَهم ضرورية حَسْمًا لأوهام القوم؛ حيث توهموا أنّ عبادتهم للأصنام فيها نوع تقرب إلى الله على وجه التعظيم له كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرْبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى} [الزمر: 3].
فإذا تحققوا بذلك صدقوا في الندم، وكان استيلاء الحسة عليهم، وذلك من أشد العقوبات لهم. اهـ.

.تفسير الآيات (53- 55):

قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر سبحانه ما لهم مع شركائهم، ذكر حالهم في استمرار جهلهم، فقال تعالى: {ورءا المجرمون} أي العريقون في الإجرام {النار} أي ورأوا، ولكنه أظهر للدلالة على تعليق الحكم بالوصف {فظنوا} ظنًا {أنهم مواقعوها ولم} أي والحال أنهم لم {يجدوا عنها مصرفًا} أي مكانًا ينصرفون إليه، فالموضع موضع التحقق، ولكن ظنهم جريًا على عادتهم في الجهل كما قالوا {اتخذ الله ولدًا} [الكهف: 4] بغير علم {وما أظن أن تبيد هذه أبدًا} [الكهف: 35]، {وما أظن الساعة قائمة} [الكهف: 36]، {إن نظن إلا ظنًا وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32] مع قيام الأدلة التي لا ريب فيها.
ولما كان الكلام في قوة أن يقال: صرفنا هذه الأخبار بما أشارت إليه من الأسرار الكبار، فقامت دلائل الشريعة الجلائل، وأضاءت بها جواهر المعاني الزواهر، عطف على ذلك: {ولقد صرفنا} أي بما لنا من العظمة.
ولما كانت هذه السورة في وصف الكتاب، اقتضى الاهتمام به تقديمه في قوله تعالى: {في هذا القرءان} أي القيم الذي لا عوج فيه، مع جمعه للمعاني ونشره الفارق بين الملبسات {للناس} أي المزلزلين فضلًا عن الثابتين {من كل مثل} أي حوّلنا الكلام وطرقناه في كل وجه من وجوه المعاني وألبسناه من العبارات الرائقة، والأساليب المتناسقة، ما سار بها في غرابته كالمثل، يقبله كل من يسمعه، وتضرب به آباط الإبل في سائر البلاد، بين العباد، فتبشر به قلوبهم، وتلهج به ألسنتهم، فلم يتقبلوه وجادلوا فيه؛ ثم نبه على الوصف المقتضي لذلك بقوله تعالى: {وكان الإنسان} الذي جعل خصيمًا وهو آنس بنفسه جبلة وطبعًا {أكثر شيء} وميز الأكثرية بقوله تعالى: {جدلًا} لأنه لم ينته عن الجدل بعد هذا البيان، الذي أضاء جميع الأكوان.
ولما بين إعراضهم، بين موجبه عندهم فقال: {وما منع} ولما كان الناس تبعًا لقريش قال: {الناس} أي الذين جادلوا بالباطل، الإيمان- هكذا كان الأصل، ولكنه عبرعن هذا المفعول الثاني بقوله تعالى: {أن يؤمنوا} ليفيد التجديد وذمهم على الترك {إذ} أي حين {جاءهم الهدى} بالكتاب على لسان الرسول، وعطف على المفعول الثاني- معبرًا بمثل ما مضى لما مضى- قولَه تعالى: {ويستغفروا ربهم} أي المحسن إليهم.
ولما كان الاستثناء مفرغًا، أتى بالفاعل فقال تعالى: {إلا أن} أي طلب أن {تأتيهم سنة الأولين} في إجابتهم إلى ما اقترحوه على رسلهم، المقتضي للاستئصال لمن استمر على الضلال، ومن ذلك طلبهم أن يكون النبي ملكًا، وذلك نقمة في صورة نعمة وإتيان بالعذاب دبرًا، أي مستورًا {أو} طلب أن {يأتيهم العذاب قبلًا} أي مواجهة ومعاينة ومشاهدة من غير ستر له، هو في قراءة من كسر القاف وفتح الباء واضح، من قولهم: لقيت فلانًا قبلًا، أي معاينة، وكذا في قراءة من ضمهما، من قولهم: أنا آتيك قبلًا لا دبرًا، أي مواجهة من جهة وجهك لا من جهة قفاك، قال تعالى: {إن كان قميصه قدَّ من قبل} [يوسف: 26]، ويصح أن يراد بهذه القراءة الجماعة، لأن المراد بالعذاب الجنس أي يأتيهم أصنافًا مصنفة صنفًا ونوعًا نوعًا، وقد مضى في الأنعام بيانه، وهذا الشق قسيم الإتيان بسنة الأولين، فمعناه: من غير أن يجابوا إلى ما اقترحوا كما تقدم في التي قبلها {فأبى أكثر الناس إلا كفورًا وقالوا لن نؤمن لك} [الإسراء: 89-90]- إلى قوله تعالى: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 92] الآية وهذه الآية من الاحتباك: ذكر {سنة الأولين} أولًا يدل على ضدها ثانيًا، وذكر المكاشفة ثانيًا يدل على المساترة أولًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {وَرَأَى المجرمون النار فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا}.
وفي هذا الظن قولان:
الأول: أن الظن هاهنا بمعنى العلم واليقين.
والثاني: وهو الأقرب أن المعنى أن هؤلاء الكفار يرون النار من مكان بعيد فيظنون أنهم مواقعوها في تلك الساعة من غير تأخير ومهلة، لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها.
كما قال: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] وقوله: {مُّوَاقِعُوهَا} أي مخالطوها فإن مخالطة الشيء لغيره إذا كانت قوية تامة يقال لها مواقعة ثم قال تعالى: {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا} أي لم يجدوا عن النار معدلًا إلى غيرها لأن الملائكة تسوقهم إليها.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}.
اعلم أن أولئك الكفرة لما افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم وبين تعالى بالوجوه الكثيرة أن قولهم فاسد وشبهتهم باطلة وذكر فيه المثلين المتقدمين، قال بعده: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا في هذا القرءان لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ} وهو إشارة إلى ما سبق والتصريف يقتضي التكرير والأمر كذلك لأنه تعالى أجاب عن شبهتهم التي ذكروها من وجوه كثيرة ومع تلك الجوابات الشافية والأمثلة المطابقة فهؤلاء الكفار لا يتركون المجادلة الباطلة فقال وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل وانتصاب قوله جدلًا على التمييز قال بعض المحققين والآية دالة على أن الأنبياء عليهم السلام جادلوهم في الدين حتى صاروا هم مجادلين لأن المجادلة لا تحصل إلا من الطرفين وذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل، ثم قال: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ} وفيه بحثان:
البحث الأول:
قالت المعتزلة: الآية دالة على أنه لم يوجد ما يمنع من الإقدام على الإيمان وذلك يدل على فساد قول من يقول إنه حصل المانع.
قال أصحابنا: العلم بأنه لا يؤمن مضاد لوجود الإيمان.
فإذا كان ذلك العلم قائمًا كان المانع قائمًا.
وأيضًا حصول الداعي إلى الكفر قائم وإلا لما وجب لأن الفعل الاختياري بدون الداعي محال، ووجود الداعي إلى الكفر مانع من حصول الإيمان.
وإذا ثبت هذا ظهر أن المراد مقدار الموانع المحسوسة.
البحث الثاني:
المعنى أنه لما جاءهم الهدى وهو الدليل الدال على صحة الإسلام، وثبت أنه لا مانع لهم من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة والتخلية حاصلة.
والأعذار زائلة فلم لم يقدموا على الإيمان ثم قال تعالى: {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين} وهو عذاب الاستئصال {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب قُبُلًا} قرأ حمزة وعاصم والكسائي {قبلًا} بضم القاف والباء جميعًا وهو جمع قبيل بمعنى ضروب من العذاب تتواصل مع كونهم أحياء وقيل مقابلة وعيانًا والباقون قبلًا بكسر القاف وفتح الباء أي عيانًا أيضًا، وروى صاحب الكشاف {قبلًا} بفتحتين أي مستقبلًا. والمعنى أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نزول عذاب الاستئصال فيهلكوا، أو أن يتواصل أنواع العذاب والبلاء حال بقائهم في الحياة الدنيا، واعلم أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا على هذين الشرطين، لأن العاقل لا يرضى بحصول هذين الأمرين إلا أن حالهم شبيه بحال من وقف العمل على هذين الشرطين. اهـ.